كانت صدقة التطوع عندك حلال للغنى والفقير، وإنما الحرام منها ما كان فرضًا على الأغنياء؛ لأن الله جعلها لأهل السهمان فى كتابه؟ قيل: أنكرنا ذلك من أجل أنه لو كان كذلك صح أنه كان لأبى بكر ملكًا، ولوجب أن يكون بعد أبى بكر موروثًا عنه، إذ كان أبو بكر قد ورثه أهله، وقيام الحجة بأنه لم يورث عنه، للدلالة الواضحة على أنه لم يكن لولى الأمر من بعد رسول الله ملكًا، وإنما كان إليه صرف علات ذلك فى وجوها وسبلها. فإن قيل: فما معنى قول أبى بكر لفاطمة: بل ورثه أهله؟ قيل: معنى ذلك: بل ورثه أهله إن كان خلف شيئًا يورثه، ولم يترك شيئًا يورث عنه؛ لأن ما كان بيده من الأموال مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، إنما كان طعمة من الله له، على أن يأكل منه هو وأهله ما احتاج واحتاجوا، ويصرف ما فضل على ذلك فى تقوية الإسلام وأهله، فقبضه الله، ولم يخلف شيئًا هو له ملك يقتسمه أهله عنه ميراثًا. ويبين ذلك قول عائشة:(مات رسول الله، ولم يترك دينارًا ولا درهمًا ولا بعيرًا ولا شاة، ولقد مات وإن درعه لمرهونة بوسق من شعير) . وقول عثمان:(أغنها عنا) يقول: اصرفها عنا، يقال: أغنيت عنك كذا: صرفته عنك. ومنه قوله تعالى:(لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه (يعنى: يصرفه. قال صاحب الأفعال: أغنى عنك الشيء صرف عنك ما تكره. وفى القرآن: (ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (و) ما أغنى عنى ماليه (وقوله: مما يتبرك أصحابه. المعنى: يتبرك به،