عن عائشة قالت: قال النبى (صلى الله عليه وسلم) -: (دباغ جلد الميتة ذكاته) . قال الطحاوى: وأما حديث ابن عكيم الذى أخذ به أحمد بن حنبل فيحتمل ألا يكون مخالفًا لأحاديث الدباغ، ويكون معناه: لا تنتفعوا به ما دام ميتة غير مدبوغ؛ فإنه قد كان (صلى الله عليه وسلم) سئل عن الانتفاع بشحم الميتة، فأجاب فيها مثل هذا. وروى ابن وهب، عن زمعة بن صالح، عن أبى الزبير، عن جابر:(أن ناسًا أتوا النبى (صلى الله عليه وسلم) فقالوا: يا رسول الله، إن سفينة لنا انكسرت، وإنا وجدنا ناقة سمينة ميتة، فأردنا أن ندهن بها. فقال رسول الله: لا تنتفعوا بشىء من الميتة) فأخبر جابر بالسؤال الذى كان قول النبى: (لا تنتفعوا من الميتة) جوابًا له أن ذلك كان على النهى عن الانتفاع بشحومها، فأما ما دبغ منها وعاد إلى معنى الإهاب فإنه مطهر بذلك على ما تواترت به الآثار، وعلى هذا لا تتضاد الآثار. قال المهلب: وحجة مالك فى كراهية الصلاة عليها وبيعها وتجويز الانتفاع بها فى بعض الأشياء أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أهدى حلة من حرير لعمر، وقال:(لم أعطكها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها) فأباح له (صلى الله عليه وسلم) التصرف فى الحلة فى بعض الوجوه، فكذلك جلد الميتة يجوز الانتفاع به فى بعض الوجوه دون بعض. قال ابن القصار: وأما قول الأوزاعى وأبى ثور أنه يطهر جلد ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل، واحتجوا بما رواه أبو المليح الهذلى عن أبيه (أن النبى نهى عن افتراش جلود السباع) ولم يفرق بين أن تكون مدبوغة أو غير مدبوغة، وقال (صلى الله عليه وسلم) : (دباغ الأديم ذكاته) فأقام الدباغ مقام الذكاة، وأنه يعمل عملها، فلما لم تعمل الذكاة فيما لا يؤكل لحمه لم يعمل الدباغ فيه.