ولم يذكر فى الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شاورها فى نفسها، ولا أنها قالت: زوجنى منه، فدل أنه عليه السلام كان له أن يهبها بالهبة التى جاز له نكاحها. فإن قيل: قد يحتمل أن يكون فى الحديث سؤال من النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يزوجها منه، ولم ينقل فى الحديث. قيل: وكذلك يحتمل أن يكون النبى (صلى الله عليه وسلم) جعل لها مهرًا غير السور، ولم ينقل فى الحديث، وليس أحد التأويلين أولى من صاحبه، ويحتمل وجهًا آخر أن يكون النبى (صلى الله عليه وسلم) زوجها بما معه من القرآن لحرمته، وعلى وجه التعظيم للقرآن وأهله، لا على أنه مهر بدليل ما روى فى الحديث من قوله:(أتقرؤهن عن ظهر قلب؟) ، قال: نعم، قال:(قد زوجتكها) ، فراعى فيه حرمة القرآن، كما زوج النبى (صلى الله عليه وسلم) أبا طلحة أم سليم على إسلامه، ولم يكن إسلامه مهرًا لها فى الحقيقة، وإنما معنى تزويجها على إسلامه، أى أنه تزوجها لإسلامه. قال غيره: ويحتمل أن يريد بقوله: (ولو خاتمًا من حديد) ، تعجيل شىء يقدمه من الصداق، وإن كان قليلاً كقوله:(بعها ولو بضفير) ، والدليل على أنه أراد تعجيل شىء من الصداق أنه كان يجوز أن يزوجه على مهر يكون فى ذمته، وكان من عادتهم أن يقدموا شيئًا من الصداق؛ لأنه لم تجر عادتهم فى وقته، عليه السلام، فى المهور إلا بالشىء الثقيل، وإذا احتمل هذا كله لم يجعل أصلاً فى استباحة الفروج بالشىء الحقير الذى لا يعدمه أحد ولا بمهر مجهول. قال الطحاوى: والدليل على أنه لم يتزوجها على أن يعلمها السورة عوضًا من بضعها، أنا رأينا النكاح إذا وقع على مهر مجهول