قال المؤلف: ذهب مجاهد إلى أن الآية التى فيها: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا)[البقرة: ٢٣٤] ، إنما نزلت قبل الآية التى فيها:(وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج)[البقرة: ٢٤٠] ، كما هى قبلها فى التلاوة، ولم يجعل آية الحول منسوخة بالأربعة أشهر وعشرًا، وأشكل عليه المعنى؛ لأن المنسوخ لا يمكن استعماله مع الناسخ، ورأى أن استعمال هاتين الآيتين ممكن، إذ حكمهما غير مدافع، ويجوز أن يوجب الله على المعتدة التربص أربعة أشهر وعشر ألا تخرج فيها من بيتها فرضًا عليها، ثم يأمر أهله أن تبقى سبعة أشهر وعشرين ليلة، تمام الحول، إن شاءت، أو تخرج إن شاءت وصية لها؛ لقوله تعالى:(وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن)[البقرة: ٢٤٠] . فحصل له فائدتان فى استعمال الآيتين، ورأى ألا يسقط حكمًا فى كتاب الله يمكنه استعماله، ولا يتبين له نسخه، وهذا قول لم يقله أحد من المفسرين للقرآن غيره، ولا تابعه عليه أحد من فقهاء الأمة، بل اتفق جماعة المفسرين وكافة الفقهاء أن قوله:(متاعًا إلى الحول)[البقرة: ٢٤٠] ، منسوخ بقوله:(يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا)[البقرة: ٢٣٤] ، ويشهد لذلك قوله، عليه السلام، فى حديث زينب بنت أبى سلمة:(وقد كانت إحداكن ترمى بالبعرة على رأس الحول) . ومما يدل على خطأ مجاهد أن الله إنما أوجب السكنى للمتوفى عنهن أزواجهن عند من رأى إيجابه فى العدة خاصة، وهى الأربعة أشهر وعشر، وما زاد عليها فالأمة متفقة أن المرأة فيها أجنبية من زوجها لا سكنى لها ولا غيره، شاءت أو لم تشأ، وكيف يجوز أن تبقى فى بيت زوجها بعد العدة إن شاءت وهى غير زوجة منه، ولا فى بطنها حمل يوجب حبسها به، ومنعها من الأزواج حتى تضعه.