للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطحاوى: فهذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد مدحه وجعله خير الشهداء، فأولى بنا أن نحمل الأخبار على هذا التأويل حتى لا تتضاد ولا تختلف، فتكون أحاديث هذا الباب على هذا المعنى الذى ذكرناه، ويكون حديث زيد بن خالد على تفضيل المبتدئ بالشهادة لمن هى له أو المخبر بها الإمام. وقد فعل ذلك أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم) وشهدوا ابتداء، شهد أبو بكرة ومن كان معه على المغيرة بن شعبة، ورأوا ذلك لأنفسهم لازمًا، ولم يعنفهم عمر على ابتدائهم بها؛ بل سمع شهادتهم، ولو كانوا فى ذلك مذمومين لذمهم، وقال: من سألكم عن هذا ألا قعدتم حتى تسألوا، ولما لم ينكر عليهم عمر ولا أحد ممن كان بحضرته دل أن فرضهم ذلك وابتداؤهم لا عن مسألة محمود، وهو قول مالك والكوفيين. قال الطحاوى: قوله: (ويشهدون ولا يستشهدون) حجة لابن شبرمة فى قوله أنه من سمع رجلا يقول لفلان، عندى كذا وكذا، ولم يشهده الذى عليه بذلك على نفسه فلا يقبل؛ لأنه لعله أن يكون ذلك وديعة عنده فليس بشىء، فأما أن يناقله الكلام فيقول: يا فلان، ألا تعطنى كذا الذى لى عندك. فقال: بل أنا معطيك فأنظرنى، فيجوز أن يشهد عليه. قال: والحجة عليه قوله فى حديث ابن مسعود: (ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) . قال إبراهيم: وكانوا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد. فدل أن الشهادة المذمومة هى المحلوف بها التى يجعلها الإنسان عادته كما قال تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) [البقرة: ٢٢٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>