يشهد كاذبًا؛ لقوله:(ثم يفشو الكذب) فيكون كذا وكذا، فلا يجوز أن يكون ذلك الذى يكون إذا فشا الكذب إلا كذبًا، وإلا فلا معنى لذكره فشو الكذب، وأيضًا فإن هذه الشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق، وإنما أريد بها الشهادة فى الأيمان، يدل على ذلك قول النخعى فى آخر الحديث، وهو الذى رواه، قال: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد. فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة التى ذم النبى (صلى الله عليه وسلم) صاحبها فى قول الرجل أشهد بالله ما كان كذا على كذا على معنى الحلف، فكره ذلك كما كره الحلف، لأنه مكروه للرجل الإكثار منه وإن كان صادقًا، فنهى عن الشهادة التى هى حلف بها، كما نهى عن اليمين إلا أن يستحلف فيكون حينئذ معزورًا، واليمين قد تسمى شهادة، قال الله تعالى:(فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله)[النور: ٦] ، أى أربع أيمان، وقد روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) فى تفضيل الشاهد المبتدئ بالشهادة ما رواه مالك، عن عبد الله بن أبى بكر، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن ابن أبى عمرة الأنصارى، عن زيد بن خالد الجهنى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء، الذى يأتى بالشهادة قبل أن يسألها) وفسره مالك فقال: الرجل تكون عنده الشهادة فى الحق لمن لا يعلمها فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان.