للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورائى) [مريم: ٥] الآية فدعا زكريا الله أن يهب له ولدًا يرث النبوة والعلم؛ لأن ذلك إذا صار إلى ولده لحقه من الفضل أكثر مما يلحقه إذا صار ذلك لغير ولده لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده) فرغب زكريا أن يرث علمه ولده الذى يخرج من صلبه، فيكون تقدير الآية على هذا: وإنى خفت الموالى من ورائى هم بنو العم والعصبة، أن يصير إليهم العلم والحكمة من بعدى، ومصير ذلك إلى ولدى أحب إلىّ، فأضمر ذلك. وقال أبو على الفسوى فى قوله تعالى: (وإنى خفت الموالى من ورائى) [مريم: ٥] فإن الخوف لا يكون من الأعيان وإنما يكون مما يئول منها، فإذا قال القائل: خفت الله وخفت الناس فالمعنى فى ذلك خفت عقاب الله ومؤاخذته، وخفت ملامة الناس، فكذلك قوله تعالى: (خفت الموالى (أى خفت بنى عمى فحذف المضاف والمعنى: خفت تضييعهم الدين وكيدهم إياه، فسأل ربه وليا يرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين. ويقوى ذلك ما روى عن الحسن البصرى أنه قال: (يرثنى (يعنى: يرث نبوتى. وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) ، يدل على أن الذى سأل ربه أن يرث ولده النبوة لا المال، ولا يجوز على النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يقول أخاف يرثنى بنو عمى وعصبتى ما فرض الله لهم من مالى، وكان الذى حملهم على ذلك ما شاهدوه من تبديلهم الدين وقتلهم الأنبياء، وقد تقدم سائر معانى هذه الأخبار فى كتاب الخمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>