مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِى شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ. وقولها:(ما خُير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا) يحتمل أن يكون هذا التخيير ليس من الله؛ لأن الله لا يخير رسوله بين أمرين عليه فى أحدهما إثم فمعنى هذا الحديث ما خير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بين أن يختار لهم أمرين من أمور الدنيا على سبيل المشورة والإرشاد إلا اختار لهم أيسر الأمرين ما لم يكن عليهم فى الأيسر إثم؛ لأن العباد غير معصومين من إرتكاب الإثم، ويحتمل أن يكون ما لم يكن إثمًا فى أمور الدين، وذلك أن الغلو فى الدين مذموم والتشديد فيه غير محمود لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إياكم والغلو فى الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو فى الدين) . فإذا أوجب الإنسان على نفسه شيئًا شاقًا عليه من العبادة فادحًا له ثم لم يقدر على التمادى فيه كان ذلك إثمًا، ولذلك نهى النبى (صلى الله عليه وسلم) أصحابه عن الترهب. قال أبو قلابة:(بلغ النبى (صلى الله عليه وسلم) أن قومًا حرموا الطيب واللحم، منهم عثمان بن مظعون وابن مسعود وأرادوا أن يختصوا، فقام النبى (صلى الله عليه وسلم) على المنبر فأوعد فى ذلك وعيدًا شديدًا، ثم قال: إنى لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، وإن أهل الكتاب إنَّما هلكوا بالتشديد، وشدَّدوا فشدد عليهم، ثم قال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت واستقيموا يستقم لكم) .