الفريقين كما لا يقتضى قوله:(فاتباع بمعروف)[البقرة: ١٧٨] أخذ الدية من القاتل كرهًا. وفى حديث أبى هريرة حجة للثورى والكوفيين، والشافعى وأحمد وإسحاق فى قولهم أنه يجوز العفو فى قتل الغيلة، وهو أن يغتال الإنسان، فيخدع بالشىء حتى يصير إلى موضع فيخفى فيه، فإذا صار إليه قتله. وقال مالك: الغيلة بمنزلة المحاربة، وليس لولاة الدم العفو فيها، وذلك إلى السلطان يقتل به القاتل. قال ابن المنذر: وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (ومن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: إن أحبوا العقل، وإن أحبوا القود) وظاهر الكتاب يدل على أن ذلك للأولياء دون السلطان. قال المهلب: وقوله: (إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين) ليدخلوا فى دين الله أفواجًا، فكان ذلك ساعة من نهار، فلما دخلوا عادت حرمتها المعظمة على سائر الأرض من تضعيف إثم منتهك الذنوب فيها، وزالت حرمتها الغير مشروعة من الله ولا من رسوله، من ترك من لجأ إليها ودخلها مستأمنًا، فارًا بدم أو بحربه لقول النبى (صلى الله عليه وسلم) : (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين) قاله فى قتيل خزاعة المقتول فى الحرم، فلما جعل الله القصاص فى قتيل الحرم، وعلمنا أنه يجوز الاقتصاص فى الحرم، ولو لم يجز ذلك لبينه النبى (صلى الله عليه وسلم) وبين أن الحرمة الباقية لمكة على ما كانت فى الجاهلية وهو تعظيم الذنب فيها عند الله على سائر الأرض.