يخيرها بين القصاص وأخذ الدية؛ ثبت بذلك أن الذى يجب بكتاب الله وسنة رسوله فى العمد هو القصاص؛ إذ لو كان يجب للمجنى عليه الخيار بين القصاص والعفو لأعلمها النبى (صلى الله عليه وسلم) بما لها أن تختار من ذلك ألا ترى أن حاكمًا لو تقدم رجل إليه فى شىء يجب له فيه أحد شيئين، فثبت عنده حقه أنه لا يحكم بأحد الشيئين دون الآخر، وإنما يحكم له بأن يختار ما أحب منهما فإن تعدى ذلك فقد قصر عن فهم الحكم، ورسوله (صلى الله عليه وسلم) أحكم الحكماء، فلما حكم بالقصاص وأخبر أنه كتاب الله ثبت ما قلناه، ووجب أن يعطف عليه حديث أبى هريرة، ويجعل قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيهما فهو بالخيار بين أن يعفو، أو يقتص، أو يأخذ الدية على الرضا من الجانى بغرم الدية حتى تتفق معانى الآثار. وأما قولهم: إن عليه فرضًا إحياء نفسه، فإنا رأيناهم قد أجمعوا أن الولى لو قال للقاتل: قد رضيت أن آخذ دارك هذه على ألا أقتلك؛ أن الواجب على القاتل فيما بينه وبين الله تسليم ذلك وحقن دم نفسه، فإن أبى لم يجبره عليها، ولم يؤخذ منه كرهًا، ويدفع إلى الولى، فكذلك الدية لا يجبر عليها، ولا تؤخذ منه كرهًا. قال المهلب: قوله (صلى الله عليه وسلم) : (فهو بخير النظرين) حضُّ وندبٌ لأولياء القتيل أن ينظروا خير نظر، فإن كان القصاص خيرًا من أخذ الدية اقتصوا ولم يقبلوا الدية، وإن كان أخذ الدية أقرب إلى الألفة وقطع الضغائن بين المسلمين؛ فعلت من غير جبر القاتل على أخذها منه، ولا يقتضى قوله (بخير النظرين) إكراه أحد