ووضح خطأ من حمل وحده على عسكر من المشركين وله إلى ترك ذلك سبيل مع خوفه على نفسه، وبان فساد قول من زعم أنه من استجن بجنة فى حرب أو لجأ إلى حصن من عدو غالب أو أتخذ غلقًا لباب من لص أو أعد زادًا لسفر أنه قد برىء من التوكل، لأن الضر والنفع بيد الله وقد أمر الله نبيه بالدخول فى الغار ولاختفاء فيه من شرار خلقه، وكان من التوكل على ربه فى الغاية العليا. وفيه الدليل الواضح على فساد قول من زعم أن من خاف شيئًا سوى الله فلم يوقن بالقدر، وذلك أن الصديق قال لرسول الله:(لو أن أحدكم رفع قدمه لأبصرنا) . حذرًا أن يكون ذلك من بعضهم فيلحقه ورسول الله من مكروه، ذلك ماحذره وبذلك أخبر الله تعالى - عنه فى كتابه بقوله:(إلا تنصروه فقد نصره الله (فلم يصفه الله ولا رسوله بذلك من قوله بضعف اليقين، بل كان من اليقين لقضاء الله وقدرة فى أعلى المنازل، ولكن قال ذلك إشفاقا على رسول الله، وكان حزنه بذلك مع علمه أن الله بالغ أمره فيه وفى رسوله وفى نصر دينه، فجمع الله له بذلك صدق اليقين، وأجر الجزع على الدين، وثواب الشفقة على الرسول، ليضعف له بذلك الأجر، وكان ذلك منه مثل ماكان من موسى نبى الله إذ أوجس فى نفسه خيفة مما أتت به السحرة، حين خيل إليه أن حبالهم وعصيهم تسعى، فقال الله له: (لا تخف إنك أنت الأعلى) ولا شك أن موسى كان من العلم بالله وصدق اليقين بنفوذ قضائه فيه ما لا يلتبس أمره على ذى عقل يؤمن بالله ورسوله، وكذلك الذى كان من أمر أبى بكر.