لتفاضل المؤمنين فى الإيمان، وذلك أن إبراهيم سأل ربه تعالى أن يريه كيف يحيى الموتى، فطلب المعاينة التى هى أعلى منازل العلم التى تسكن النفوس إليها، وتقع الطمأنينة بها، ولا يجوز أن نظن بإبراهيم خليل الله ونبيه أنه حين سأل المعاينة لم يكن مؤمنًا، أو أنه اعترضه شك فى إيمانه. والدليل على صحة هذا قوله لربه حين قال له:(أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى)[البقرة: ٢٦٠] ، فأوجب لنفسه الإيمان قبل أن يعاين ما طلب معاينته، وعَذَرَهُ الله تعالى فى طلب ذلك، لأن المعاينة أشفى ويهجم على النفوس منها ما لا يهجم من الخبر. ألا ترى أن موسى حين كلمه ربه لم يشك أن الله هو المتكلم له، ولكن طلب ما هو أرفع من ذلك وهى المعاينة، فقال:(رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ)[الأعراف: ١٤٣] ، فأعلمه ربه أنه لا يجوز أن تقع عليه حاسّة البصر، وأنه لا تدركه الأبصار بما أراه الله من الآيات فى الجبل الذى صار دكًا بتجليه له تعالى. ومما يشبه هذا المعنى أن الله تعالى أخبر موسى عن بنى إسرائيل بعبادة العجل، فلم يشك فى صدق خبره، فلما رجع إلى قومه وعاين حالهم حدث فى نفسه من الإنكار والتغيير ما لم يحدث بالخبر، فألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه. وقد نبَّه (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، فقال: تمت ليس الخبر كالمعاينة -، والحبّة بذور البقل، ويقال: هو نبت ينبت فى الحشيش، عن صاحب العين.