للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أشد الوعيد، وقال: (لم أبعث بالرهبانية وإن خير الدين عند الله الحنفية السمحة، وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد شدوا فشدد عليهم) . وفى هذا من الفقه أن أمور الدنيا نظير ذلك فى أن الغلو وتجاوز القصد فيها مذموم، وبذلك نزل القرآن قال تعالى: (والذين أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا) فحمد الله فى نفقاتهم ترك الإسراف والإقتار وقال: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا) الآية، فأمر تعالى بترك التبذير فى سبله التى ترجى بها الزلفة لربه، فالواجب على كل ذى لب أن تكون أموره كلها قصدًا فى عبادة ربه كان أو فى أمر دنياه، فى عداوة كان أو محبة، فى أكل أو شرب أو لباس أو عرى، وبكل هذا ورد الخبر عن السلف أنهم كانوا يفعلون. وأما اجتهاده عليه السلام فى عبادة ربه؛ فإن الله كان خصهّ من القوة بما لم يخص به غيره، فكان مافعل من ذلك سهلا عليه على أنه عليه السلام لم يكن يحى ليله كله قيامًا ولا شهرًا كله صيامًا غير رمضان. وقد قيل: إنه كان يصوم شعبان كله فيصله برمضان، فأما سائر شهور السنة فإنه كان يصوم بعضه ويفطر بعضه، ويقوم بعض الليل وينام بعضه، وكان إذا عمل عملا داوم عليه، فأحق من اقتدى به رسول الله الذى اصطفاه الله لرسالته وانتخبه لوحيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>