للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غصب امرأة نفسها للفجور بها على أعين الناس وهم على منعه قادرون، هل يجوز لهم تركه؟ فإن أجاز ذلك لم يمكن خصمه الإبانة عن خطأ قوله بأكثر من ذلك، فإن أوجب منعه والأخذ على يده، قيل له: فما الفرق بينه وبين من رآه يريد قتل رجل ظلمًا وعدوانًا، وما الذى أوجب عليهم منع ذلك ظاهرًا وأباح لهم ترك من يريد قتل النفس التى حرمها الله؟ ويقال له: أرأيت إن كان أحد الفريقين محقًا والآخر مبطلاً أيجب على المسلمين معونة المحق على المبطل؟ فإن قال: لا أوجب ترك الساعى فى الأرض بالفساد، وهذا خلاف قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة: ٣٣] الآية. فإن قال: تجب معونة المحق على المبطل، أوجب قتال الفرقة الباغية. وأما الحالة الثالثة فإنها حالة ممتنع فى العقل وجودها، وذلك حال حرب فريقين من المسلمين يقتلان وهما جميعًا محقان فى ذلك، ولو جاز أن يكون كل واحد منهما مصيب حقيقة حكم الله فى ذلك لجاز أن يكون الشىء الواحد بحكم الله حلالاً وحرامًا فى حالة واحدة وشخص واحد، وهذا ما لا يجوز أن يوصف به تعالى. فإن قيل: فما تنكر أن يكون الفريقان المقتتلان مصيبين فى قتال كل واحد منهما صاحبه حقيقة حكم الله إذا كان قتالهما فى وجهة التأويل لا من وجهة الخلاف للنصّ الذى لا يحتمل التأويل، فقد علمت قول من قال باجتهاد الرأى فيما لا نصّ فيه من أن كل مجتهد مصيب، وأن حكم الله فى الحادثة على كل مجتهد ما أداهُ إليه اجتهاده، وأنه لا خطأ في شيء من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>