عظمت المصيبة وجسمت البلية، ولكن قعود من قعد عنها لما كان بتأويل ونهوض من نهض فيها بمثله رجا العالمون بالله للمصيب منهم الثواب الجزيل، وعذروا المخطئ فى خطئه؛ إذ كان خطؤه بالتأويل، لا بالخلاف للنصّ المحكم الذى لا يحتاج للتأويل، ولا شك أن الناهضين فى الفتنة التى قعد عنها سعد ومحمد بن مسلمة وأسامة كانوا أفضل وأعلم بالله ممن قعد عنها، وذلك أن الناهضين فيها كان منهم من يقر له جميع أهل ذلك الزمان بالفضل والعلم، ومنهم من لا يدفعه جميعهم عن أنه إن لم يكن أفضل منه وأعلم أنه ليس بدونه. وإذا كان الأمر كذلك لم يكن المحتج إذا أغفل سبيل الصواب، لتأويل تأوله وإن كان خطأ، حجةً على من خالفه فى تأويله. فإن قال: فإن جلوس من جلس ممن ذكرنا لم يكن تأويلا، ولكنه كان نصًا لا يحتمل التأويل لقوله:(القاعد فيها خير من القائم) قيل: إنه لا أحد روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) فى الفتنة التى قعد عنها أنه (صلى الله عليه وسلم) نهاه عن النهوض فيها بعينها نصًا، وإنما قال (صلى الله عليه وسلم) : (القاعد فيها خير من القائم) من غير نص على فتنة بعينها أنها هى تلك الفتنة، من غير تسميته بها باسم وتوقيته لها بوقت. وقد روى أهل العراق عن على وعبد الله:(أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أمر عليًا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) . وعن أبى سعيد وغيره أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (لتقاتلنّ على تأويله كما قاتلت على تنزيله) وروى أهل الشام عن النبى (صلى الله عليه وسلم) فى معاوية أنه الذى يقاتل على الحق وأنه (صلى الله عليه وسلم) ذكر فتنة فمرّ به عثمان، فقال:(هذا وأصحابه يومئذ على الحق) . وكل راوٍ منهم لرواية يدعى أنها الحق، وأن تأويله أولى، فإذا كان الأمر كذلك علم