فجاوبه عن فتنة الرجل فى أهله وماله وولده وجاره ولم يجاوبه عن الفتنة الكبرى التى تموج كموج البحر لئلا يغمه ويشغل باله، ألا ترى قوله لعمر:(ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين فإن بينك وبينها بابًا مغلقًا) ولم يقل له أنت الباب، وهو يعلم أن الباب عمر، فإنما أراد حذيفة ألا يواجهه بما يشق عليه ويهمه، وعرض له بما فهم عنه عمر أنه هو الباب ولم يصرح له بذلك، وهذا من حسن أدب حذيفة، رضى الله عنه. قال المهلب: فإن قال قائل: فمن أين علم عمر أن الباب إذا كسر لم يغلق أبدًا. فالجواب: أنه استدل عمر على ذلك؛ لأن الكسر لا يكون إلا غلبةً، والغلبة لا تكون إلا فى الفتنة، وقد علم عمر وغيره من النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه سأل ربه ألا يجعل بأس أمته بينهم فمنعها، فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة، وروى معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن أبى الأشعث الصنعانى، عن أبى أسماء الرحبى، عن شداد بن أوس، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (إذا وضع السيف فى أمتى لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة) وفيه أن الصحابة كان يأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويصدق بعضهم بعضًا، وكلهم عدول رِضىً، وهم خير أمةٍ أخرجت للناس. وفى حديث أبى موسى البُشرى بالجنة لأبى بكر وعمر وعثمان، إلا أنه قال فى عثمان (مع بلاءٍ يصيبه) وكان ذلك البلاء أنه قتل مظلومًا شهيدًا. فإن قيل: فكيف خص عثمان بذكر البلاء؛ وقد أصاب عمر مثله؛ لأنه طعنه أبو لؤلؤة فمات من طعنته شهيدًا كما مات عثمان شهيدًا؟ . فالجواب: أن عمر وإن كان مات من الطعنة شهيدًا،