فإنه لم يمتحن بمثل محنة عثمان من تسلط طائفة باغية متغلبة عليه، ومطالبتهم له أن ينخلع من الإمامة، وهجومهم عليه فى داره، وهتكهم ستره، ونسبتهم إليه الجور والظلم وهو برئ عند الله من كل سوء، بعد أن منع الماء مع أشياء كثيرة يطول إحصاؤها، وعمر لم يلق مثل هذا، ولا تسوّر عليه أحد داره، ولا هتك ستره، ولا قتله من شهد شهادة التوحيد فيحاجه بها عند الله يوم القيامة؛ ولذلك حمد الله عمر على ذلك، فكان الذى أصاب عثمان من البلاء غير قتله بلاء شديدًا لم يصب عمر مثله. قال المهلب: وأما قول أبى وائل: (قيل لأسامة: ألا تكلم هذا الرجل) يعنى عثمان بن عفان ليكلمه فى شأن الوليد؛ لأنه ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره، وكان أخا عثمان لأمه، وكان عثمان يستعمله على الأعمال، فقيل لأسامة: ألا تكلمه فى أمره؛ لأنه كان من خاصة عثمان، وممن يخف عليه، فقال: قد كلمته فيما بينى وبينه، وما دون أن أفتح بابًا أكون أوّل من يفتحه، يريد لا أكون أوّل من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانيةً فيكون بابًا من القيام على أئمّة المسلمين فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة، كما كان بعد ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير، ثم عرفهم أنه لا يداهن أميرًا أبدًا بل ينصح له فى السر جهده بعدما سمع النبى يقول فى الرجل الذى كان فى النار كالحمار يدور برحاه، من أجل أنه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن الشر ويفعله يعرفهم أن هذا الحديث جعله ألا يداهن أحدًا، يتبرأ إليهم مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه.