للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا يجاوز به الكفاف، أو يريد به الاستكانة إلى الله، ويدل على صحة هذا التأويل أنه ترك أموال بنى النضير وسهمه من فدك وخيبر، فغير جائز أن يظن به أن يدعو إلى الله ألا يكون بيده شىء، وهو يقدر على إزالته من يده بإنفاقه. وما روى عنه أنه قال: (اللهم من آمن بى وصدّق ما جئت به، فأقلل له من المال والولد) . فلا يصح فى النقل ولا فى الاعتبار، ولو كان إنما دعا بذلك فى المال وحده لكان محتملا أن يدعو لهم بالكفاف، وأما دعاؤه بقلة الولد فكيف يدعو أن يقل المسلمون، وما يدفعه العيان مدفوع عنه (صلى الله عليه وسلم) ، وأحاديثه لا تتناقض. كيف يذمّ معاوية، ويأمر أبا لبابة وسعدًا أن يبقيا ما ذكر من المال ويقول: إنه خير، ثم يخالف ذلك، وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك وقال: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته) . قال أنس: فلقد أحصت ابنتى أنى قدّمت من ولد صُلبى مقدم الحجاج البصرة مائةً وبضعةً وعشرين نسمةً بدعوة رسول الله، وعاش بعد ذلك سنين وولد له) . فلم يدع له بكثرة المال إلا وقد أتبع ذلك بقوله: (وبارك له فيما أعطيته) . فإن قيل: فأى الرجلين أفضل: المبتلى بالفقر، أو المبتلى بالغنى إذا صلحت حال كل واحد منهما؟ قيل: السؤال عن هذا لا يستقيم؛ إذ قد يكون لهذا أعمال سوى تلك المحنة يفضل بها صاحبه والآخر كذلك، وقد يكون هذا الذى صلح حاله على الفقر لا يصلح حاله على الغنى، ويصلح حال الآخر على الفقر والغنى. فإن قيل: فإن كان كل واحد منهما يصلح حاله فى الأمرين، وهما فى غير ذلك من الأعمال متساويان قد أدّى الفقير ما يجب عليه فى فقره من الصبر والعفاف والرضا، وأدّى الغنى ما يجب عليه من الإنفاق والبذل

<<  <  ج: ص:  >  >>