للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فقد قال تعالى فى سورة النحل: (سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢] ، فأخبر أن دخول الجنة بالأعمال أيضًا. فالجواب: أن قوله: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢] كلام مجمل يبينه الحديث، وتقديره ادخلوا منازل الجنة وبيوتها بما كنتم تعملون، فالآية مفتقرة إلى بيان الحديث. وللجمع بين الحديث وبين الآيات وجه آخر هو أن يكون الحديث مفسرًا للآيات، ويكون تقديرها: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف: ٧٢] ، و) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور: ١٩] ، و) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢] مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم؛ لأن فضله تعالى ورحمته لعباده فى اقتسام المنازل فى الجنة، كما هو فى دخول الجنة لا ينفك منه، حين ألهمهم إلى ما نالوا به ذلك، ولا يخلو شىء من مجازاة الله عباده من رحمته وتفضله، ألا ترى أنه تعالى جازى على الحسنة عشرًا، وجازى على السيئة واحدة، وأنه ابتدأ عباده بنعم لا تحصى، لم يتقدم لهم فيها سبب ولا فعل، منها أن خلقهم بشرًا سويا، ومنها نعمة الإسلام ونعمة العافية ونعمة تضمنه تعالى لأرزاق عباده، وأنه كتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه، إلى ما لا يهتدى إلى معرفته من ظاهر النعم وباطنها. وقوله: (إلا أن يتغمدنى الله) قال أبو عبيد: لا أحسب يتغمدنى إلا مأخوذ من غمد السيف، لأنك إذا غمدته فقد ألبسته إياه وغشيته به. وقول عائشة: (كان عمله ديمةً) يعنى دائمًا، وأصل الديمة: المطر الدائم مع سكون، قال لبيد:

<<  <  ج: ص:  >  >>