الإقرار الذى يكذبه العمل، فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق، ولكنه يقال شكر باللسان والدليل على صحة ذلك قوله تعالى:(اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا)[سبأ: ١٣] ، ومعلوم أنه لم يأمرهم، إذ قال لهم ذلك، بالإقرار بنعمه؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلا منه عليهم، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل، وكذلك قال (صلى الله عليه وسلم) حين تفطرت قدماه فى قيام الليل: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) . فإن قال قائل: فأى المنزلتين أعلى درجةً: الصبر أو الشكر؟ قيل: كل رفيع الدرجة شريف المنزلة، وما ذو العافية والرخاء كذى الفاقة والبلاء، وفى قوله تعالى:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: ١٠] ، وخصوصه إياهم من الأجر على صبرهم دون سائر من ضمن له ثوابًا على عمله ما يبين عن فضل الصبر. وقد روى الأعمش، عن أبى الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (يود أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم فى الدنيا كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء) وذكر ابن أبى الدنيا من حديث أم هانئ قالت: (دخل علىّ رسول الله فقال: أبشرى، فإن الله قد أنزل لأمتى الخير كله، قد أنزل) إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: ١١٤] ، قلت: بأبى وأمى وما الحسنات؟ قال الصلوات الخمس ودخل علىّ فقال: أبشرى فإنه قد أنزل خير لا شر بعده. قلت: بأبى وأمى ما هو؟ قال: أنزل الله) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام: ١٦٠] ، فقلت: يا رب زد أمتى، فأنزل الله تعالى:(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ)[البقرة: ٢٦١] ،