قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأنْصَارِىِّ:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[الأحزاب: ٢٣] ، فَأَلْحَقْنَاهَا فِى سُورَتِهَا فِى الْمُصْحَفِ. قال أبو بكر بن الطيب: فإن قال قائل: ما وجه نفور أبى بكر وزيد بن ثابت مع فضلهما عن جمع القرآن؟ فالجواب: أنهما لم يجدا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد بلغ فى جمعه إلى هذا الحد من الاحتياط من تجليده، وجمعه بين لوحين، فكرها أن يجمعاه جزعًا من أن يحلا أنفسهما محل من يجاوز احتياطه للدين احتياط رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فلما أنبههما عمر، وقال: هو والله خير. وخوفهما من تغير حال القرآن فى المستقبل؛ لقلة حفظته، ومصيره إلى حالة الخفاء والغموض بعد الاستفاضة والظهور، علما صواب ما أشار به وأنه خير، وأن فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس على الوجوب، ولا تركه لما تركه على الوجوب إلا أن يكون قد بين فى شريعته أن مثل فعله لما فعله، أو تركه لمثل ما تركه لازم لنا وواجب علينا، فلما علما أنه لم يحظر جمع القرآن ولا منع منه بسنة ولا بنص آية، ولا هو مما يفسده العقل ويحيله، ولا يقتضى فساد شىء من أمر الدين ولا مخالفة رأى صواب ما أشار به عمر، وأسرعا إليه كما فعل عمر وسائر الصحابة فى رجوعهم إلى رأى أبى بكر فى قتاله أهل الردة، ورأوا ذلك صوابًا لم يشكوا فيه. وربما يشمئز الإنسان أحيانًا من فعل المباح المطلق ويسبق إلى قلبه أنه ليس مما له فعله لفرط احتياطه وتحريه، ثم تبين له بعد