سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ) ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِى سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ) ، ثُمَّ قَالَ:(اقْرَأْ يَا عُمَرُ) ، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِى أَقْرَأَنِى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) . قال المؤلف: قد أكثر الناس فى تأويل هذا الحديث ولم أجد فيه قولاً يسلم من المعارضة، وأحسن ما رأيت فيه ما نقله أبو عمر عثمان بن سعيد المقرئ فى بعض كتبه، ولم يسم قائله، قال: إنى تدبرت معنى هذا الحديث وأمعنت النظر فيه بعد وقوفى على أقاويل السلف والخلف، فوجدته متعلقًا بخمسة أوجه، هى محيطة بجميع معانيه: فأولها: أن يقال: ما معنى الأحرف التى أرادها النبى (صلى الله عليه وسلم) ؟ وكيف تأويلها؟ والثانى: ما وجه إنزال القرآن على هذه السبعة الأحرف، وما المراد بذلك؟ والثالث: فى أى شىء يكون اختلاف هذه السبعة الأحرف؟ والرابع: على كم معنى تشتمل هذه السبعة الأحرف؟ والخامس: هل هذه السبعة الأحرف كلها متفرقة فى القرآن، موجودة فيه فى ختمة واحدة، حتى إذا قرأ القارئ بأى حرف من حروف أئمة القراء بالأمصار المجتمع على إمامتهم فقد قرأ بها كلها؟ أو ليست كلها متفرقة فيه وموجودة فى ختمة واحدة؟ وأنا مبين ذلك إن شاء الله. فأما معنى الأحرف التى أوردها النبى (صلى الله عليه وسلم) هاهنا فإنه يتوجه إلى وجهين: أحدهما: أن يكون أراد سبعة أوجه من اللغات بدليل قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ)[الحج: ١١] ،