للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول: أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت، وقد قدر الله علىّ ذلك. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسئ على إساءته وتعديد ذنوبه عليه. فإن قال قائل: فإن القدرية احتجت بقول موسى: أنت آدم، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فنسب التخييب والإخراج إليه، قالوا: هذا يدل أن العباد يخلقون أفعالهم طاعتها ومعصيتها، ولو كانت خلقًا لله لم يصح أن يأمرهم ولا ينهاهم، قال: وكذلك احتجت الجهمية على صحة الجبر بقول آدم: أتلومني على أمر قدر عليّ. فالجواب: أنه ليس فى قول موسى دليل قاطع على اعتقاد القول بالقدر، وأن العبد خالق لأفعاله دون ربه كما زعمت القدرية؛ لأنه ليس فى قوله: (أنت آدم، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة) . أكثر من إضافة التخييب والإخراج إليه، وإضافة ذلك إليه لا يقتضى كونه خالقًا لهما؛ إذ يصح فى اللغة إضافة الفعل إلى من يقع منه على سبيل الخلق، وإلى من يقع منه على سبيل الاكتساب، وإذا احتملت إضافة التخييب والإخراج الوجهين جميعًا لم يقبض بظاهره على أحد الاحتمالين دون الآخر إلا بدليل قاطع، وقد قام الدليل الواضح على استحالة اختراع المخلوق أفعاله دون إقدار الله له على ذلك بقوله تعالى: (خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ) [الأنعام: ١٠٢] ، وبقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: ٩٦] ، وليس يجوز أن يريد تعالى بهذا الحجارة؛ لأن الحجارة أجسام، والأجسام لا يجوز أن يعملها العباد فدل أنه تعالى خالق أعمالهم وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>