للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ) [الشورى: ٢٩] ، واجتماعهم فعل لهم، وقد أخبر أنه تعالى خلقهم، وقد ثبت أنه تعالى قادر على جميع أجناس الحركات التى يحدثها العباد بدلالة أنه أقدرهم عليها، وما أقدرهم عليه فهو عليه أقدر، كما أنه ما أعلمهم إياه فهو به أعلم، فثبت أن الله خالق للأفعال، والعبد مكتسب لها، كما تقول: إن الله منفرد بخلق الولد، والوالد منفرد بكون الولد له لا شركة فيه لغيره. فنسبة الأفعال إلى الله تعالى من جهة خلقه لها، ونسبتها إلى العباد من جهة اكتسابهم لها، هذا مذهب أهل السنة والحق، وهو مذهب موسى (صلى الله عليه وسلم) من قوله: (إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِى مَن تَشَاء) [الأعراف: ١٥٥] ، فأضاف موسى الهداية والإضلال إلى الله تعالى، ولا تصح هذه الإضافة إلا على سبيل خلقه لها دون من وجدت منه، وأما قول الجهمية: إن الله أجبر العباد على أفعالهم، وهم مكرهون على الطاعة والمعصية. واحتجوا بقول آدم: أتلومنى على أمر قد قدر على قبل أن أخلق. فلا حجة لهم فيه أيضًا؛ لأن الموجود بالاعتبار والمشاهدة خلاف قولهم، وذلك أن العباد لا يأتون الذنوب إلا مشتهين لها، راغبين فيها، والإجبار عند أهل اللغة: هو اضطرار المرء إلى الفعل وإدخاله فيه غير راغب فيه ولا محب له كالمحسوب على وجهه، والمرتعش من الحمى، والفالج. وأهل الجبر معتقدون لوم من وقعت منه معصية الله وتأنيبه عليها أشد التأنيب، ومدح من وقعت منه الطاعة وإثباته عليها،

<<  <  ج: ص:  >  >>