وإذا كان هذا اعتقادهم؛ فاحتجاجهم بتأنيب آدم موسى على لومه له على أمر قد قدره عليه، وكرهه عليه فاسد متناقض على مذهبهم، ومحاجة آدم موسى هى أنه ذاكره ما قد عرفه ووقف عليه فى التوراة من توبة الله على آدم من خطيئته وإسقاطه اللوم عليها؛ فوجب على موسى ترك لومه وعتابه على ما كان منه. وقد ثبت أن جعفر بن محمد الصادق قيل له: قد أجبر الله العباد؟ قال: الله أعدل من ذلك. قيل: هل فوض إليهم؟ قال: الله أغير من ذلك، لو أجبرهم ما عذبهم، ولو فرض إليهم ما كان للأمر والنهى معنى. قلت: فكيف تقول إذًا؟ قال: منزلة بين منزلتين هى أبعد مما بين السماء والأرض؛ ولله فى ذلك سرّ لا تعلمونه. واحتجت أيضًا طائفة من القدرية المجبرة غير الجهمية بهذا الحديث، فقالت: إن كان صحيحًا قول آدم لموسى: أتلومنى على أمر قدره الله على قبل أن أخلق؛ فلا لوم على كافر فى كفره، ولا فاسق فى فسقه، ولا يجوز أن يجور عليهم ويعذبهم على ما اضطرهم إليه. قال الطبرى: فالجواب أنه ليس معنى قوله: أتلومنى على أمر كتبه الله علىّ قبل أن أخلق، كما توهمته، وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه، وقد عاقبه الله على خطيئته تلك بإخراجه من الجنة، ولو لم يكن ملومًا لكان وكنا فى الجنة كما أسكنه الله؛ ولكنه جل جلاله أخرجه منها لخطيئته تلك عقوبةً عليها، ولم يعاقبه على ما قضى