الإصابة، وإنما أمر الله بإصابة عين القبلة من نظر إليها، وأما من غاب عنها فلا سبيل إلى علم حقيقتها؛ لأنه إنما يعلم القبلة بغلبة الظن من مهب الرياح ومسير النجوم، وإذا كان كذلك فإنما يرجع من اجتهاد إلى اجتهاد ولا يرتفع حكم الاجتهاد الأول؛ كالحاكم يحكم باجتهاده، ثم تبين له اجتهاد آخر فلا يجوز له فسخ الأول. وليس للشافعى أن يقول: إن مستدبر القبلة قد رجع من اجتهاده إلى يقين؛ لأنه لا يتيقن باستقباله نفس القبلة فى هذه الجهة، وإنما يغلب ذلك على ظنه ويُبين ذلك الإجماع على جواز صلاة أهل الآفاق ومعلوم أن كل واحدٍ منهم غير محاذ للكعبة، وإنما يحصل ذلك للأقل منهم، وقد جازت صلاتهم لوقوع ذلك بالاجتهاد، والدليل على ذلك من حديث أهل قُباء أنهم صلوا إلى غير القبلة بعد الصلاة، ثم لم يؤمروا بالإعادة؛ لأنهم لم يمكنهم الوصول إلى العلم بالجهة التى كانوا مأمورين بالصلاة إليها، وإنما صلوا إلى قبلة مفترضة عليهم كما المجتهد مُصلٍّ عند نفسه إلى القبلة. وقال المهلب: وجه احتجاج البخارى بحديث ابن عمر فى هذا الباب هو انحرافهم إلى القبلة التى افترضت وهم فى انحرافهم مصلون إلى غير القبلة، ولم يؤمروا بالإعادة بل بنوا على ما كانوا صلوا فى حال الانحراف وقبله، وكذلك المجتهد فى القبلة لا يلزمه الإعادة. وقد أشار البخارى فى ترجمته إلى هذا الاستدلال من حديث ابن مسعود فقال: وقد سلم النبى، عليه السلام، فى ركعتى الظهر وأقبل على الناس بوجهه، وذلك أن انصرافه وإقباله على الناس بوجهه بعد سلامه، كان وهو عند نفسه فى غير صلاة، فلما بنى على صلاته بأنه كان فى وقت استدبار القبلة فى حكم المصلى؛ لأنه لو خرج من