واستعمال عمر لهذه الآية يدل على أنها غير منسوخة، وهو قول مجاهد وقتادة، وروى هشام بن عروة عن أبيه، وعن عبد الله ابن الزبير قالا: نزلت هذه الآية فى أخذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم وما لا يجهدهم. فعلى هذا القول هى محكمة وهذا لفظه لفظ الأمر، وهو تأديب من الله لنبيه، وفيه تأديب لأمته، فهو تعليم للمعاشرة الجميلة والأخذ بالفضل، وقد روى عن ابن عباس فى قوله:(خُذِ الْعَفْوَ)[الأعراف: ١٩٩] ، يعنى الفضل من أموال الناس، ثم نسخ ذلك وهو قول الضحاك والسدى. وفيها قول ثالث عن ابن زيد قال: أمر الله نبيه بالعفو عن المشركين وترك الغلظة عليهم، قبل أن يفرض عليه قتالهم ثم نسخت بالقتال. فأما قوله (صلى الله عليه وسلم) : (فإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشىء فائتوا منه ما استطعتم) فقد احتج به من قال: إن الأمر موضوع على الندب دون الإيجاب، قالوا: ألا تراه (صلى الله عليه وسلم) علق الأمر بمشيئتنا واستطاعتنا، وألزمنا الاتنهاء عما نهى عنه، فوجب حمل النهى على الوجوب دون الأمر. قال أبو بكر بن الطيب: والتعلق بهذا غير صحيح ومعنى قوله: (فائتوا منه ما استطعتم) إذا كنتم مستطيعين، وقد يأمر بالفعل الذى يستطيعه على طريق الوجوب كما يأمر به على وجه الندب، ولا يدل على أنه ليس بواجب قال الله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن: ١٦] ، ولم يرد به ندبنا إلى التقوى دون إيجابه، ومعنى الآية والخبر: أن اتقوه إذا كنتم سالمين