خالق لا خالق له، لأن المفكر يجد المخلوقات كلها لها خالق بأثر الصنعة فيها والحدث الجارى عليها والله تعالى بخلاف هذه الصفة لمباينته صفات المخلوقين، فوجب أن يكون خالق الكل، فهذا هو صريح الإيمان، لا البحث الذى هو من كيد الشيطان المؤدى إلى هذا الانقطاع ليحير العقول، فنبه (صلى الله عليه وسلم) على موضع كيده وتحييره. قال غيره: فإن وسوس الشيطان فقال: ما المانع أن يخلق الخالق نفسه. قيل له: هذه وسوسة ينقض بعضها بعضا؛ لأن بقولك يخلق قد أوجبت وجوده تعالى، وبقولك نفسه قد أوجبت عدمه، والجمع بين كونه موجودًا ومعدومًا معًا تناقض فاسد؛ لأن من شرط الفاعل تقدم وجوده على وجود فعله فيستحيل كون نفسه فعلاً له؛ لاستحالة أن يقال إن النفس تخلق النفس التى هى هو وهذا بين فى حل هذه الشُبه وهو صريح الإيمان. وقال غيره: إن سأل سائل عن حديث سعد وزيد بن ثابت، فقال: فى هذين الحديثين دلالة على أن الله تعالى يفعل شيئًا من أجل شىء وسببه، وهذا يؤدى إلى قول القدرية. فالجواب: أنه قد ثبت أن الله على كل شىء قدير، وأنه بكل شىء عليم، وأنه لا يكون من أفعاله التى انفرد بالقدرة عليها ولا تدخل تحت قدرة العباد، ولا تكون من مقدورات العباد التى هى كسب لهم وخلق لله إلا والله مريد لجميع ذلك، فسواء كان أمرًا بذلك عباده أو ناهيًا لهم عنه، فغير جائز أن يقال أنه فعل فعلاً من أفعاله بسبب من الأسباب أو من أجل داع يدعوه إلى فعله؛