للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن السبب والداعى فعل من أفعاله، والقول أنه فاعل بسبب يقضى إلى تعجيزه لحاجته إلى ما لا يصح وقوعه من فعله إلا بوقوع غيره تعالى الله عن ذلك، فإذا فسد ذلك وجب حمل قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إن أعظم المسلمين جُرمًا من سأل عن شىء لم يحرم فحرم من أجله) . على غير ظاهره وصرفه إلى أن الله تعالى فاعل بسؤال السائل الذى نهاه عنه، ومقدر أن يحرم الشىء المسئول عنه إذا وقع السؤال فيه، كل ذلك قد سبق به القضاء والقدر لا أن السؤال موجه للتحريم وعلة له. وكذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ما زال بكم الذى رأيت من صنيعكم) يعنى: من كثرة مطالبتكم بالخروج إلى الصلاة حتى خشيت أن تكتب عليكم عقابًا لكم على كثرة ملازمتكم لى فى مداومة الصلاة بكم، لا أن ملازمتهم له موجبة لكتاب الله عليهم الصلاة؛ لما ذكرناه من أن الملازمة والكتب فعلان لله تعالى غير جائز وقوع أحدهما شرطًا فى وقوع الآخر، ولو وقعت الملازمة ووقع كتاب الصلاة عليهم لكان ذلك مما قد سبق به القضاء والقدر فى علم الله. وإنما نهاهم، عليه السلام، عن مثل هذا وشبهه تنبيهًا لهم على ترك الغلو فى العبادة وركوب القصد فيها؛ خشية الانقطاع والعجز عن الإتيان بما طلبوه من الشدة فى ذلك، ألا ترى قوله تعالى فيمن فعل مثل ذلك: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ) [المائدة: ١٠٢] ، ففرضت عليهم، فعجزوا عنها فأصبحوا بها كافرين وكان (صلى الله عليه وسلم) رءوفًا بالمؤمنين

<<  <  ج: ص:  >  >>