المشورة على السلطان بالعمل به، ويبعد أن يعتقد مالك أن كل مجتهد مأمور بالحكم والفتيا باجتهاده، وإن كان مخطئًا فى ذلك، وذكر عن أبى حنيفة والشافعى القولين جميعًا. واحتج من قال: إن الحق فى واحد من أقاويل المجتهدين بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) . قالوا: وهذا نص على أن فى المجتهدين وفى الحاكمين مخطئًا ومصيبًا، قالوا: والقول بأن كل مجتهد مصيب يؤدى إلى كون الشىء حلالا حرامًا وواجبًا ندبًا ويلزم الحاكم اعتقاد كونه حلالا إذا رأى ذلك بعض أهل الاجتهاد، وحرامًا إذا رأى ذلك غيره، وأن تكون الزوجة محللة محرمة، والمال ملك الإنسان وغير ملك له إذا اختلف فى ذلك أهل الاجتهاد. واحتج كل من قال: كل مجتهد مصيب، فقالوا: اتفق الكل من الفقهاء على أن فرض كل عالم الحكم والفتيا بما أداه الاجتهاد إليه، وما هو الحق عنده وفى غالب ظنه، وأنه حرام عليه أن يفتى ويحكم بقول مخالفه، ولو كان فى الأقاويل المختلف فيها ما هو خطأ وخلاف دين الله لم يجز أن تجمع الأمة على أن فرض القائل به؛ لأن إجماعها على ذلك إجماع على خطأ، وقد نهى الله عنه وشرع خلافه. ولو جاز أن يكون أحدهما مخطئًا لأدى ذلك إلى أن الله تعالى أمر أحدهما بإصابة عين الباطل، وفى هذا القولُ بأن الله أمر بالباطل، وإذا فسد هذا مع كونه مأمورًا بالاجتهاد وجب كونه بفتياه ممتثلا أمر ربه وطائعًا له ومصيبًا عند الله، فثبت أن الحق مع كل واحد منهما بدليل قوله تعالى:(إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء)[الأعراف: ٢٨] ، ومع قيام الدليل على أن طاعة البارى إنما كانت طاعة لأمره بها كما أن المعصية كانت معصية لنهيه عنها.