وقد أجاب الشافعي عن هذا الحديث فى الرسالة بنحو هذا فقال: لو كان فى الاجتهاد خطأ وصواب فى الحقيقة لم يجز أن يثاب على أحدهما أكثر من الآخر؛ لأن الثواب لا يجوز فيما لا يسوغ ولا فى الخطأ الموضوع إثمه عنا. وقال ابن الطيب: هذا الخبر يدل على أن كل مجتهد مصيب أولى وأقرب؛ لأن المخطئ لحكم الله والحاكم بغيره مع الأمر له به لا يجوز أن يكون مأجورًا على الحكم بالخطأ بل أقصى حالاته أن يكون إثمه موضوعًا عنه فأما أن يكون بمخالفة حكم الله مأجورًا فإنه باطل باتفاق، والنبى (صلى الله عليه وسلم) قد جعله مأجورًا، فدل ذلك على أن هذا ليس بخطأ فى شىء من الأحكام وجب عليه ولزمه الحكم به. ويحتمل أن يكون معناه إذا اجتهد فى البحث والطلب للنص فأصابه وحكم بموجبه فله أجران: أحدهما على البحث والطلب، والآخر على الحكم بموجبه، وأراد بقوله:(إن حكم فأخطأ) أى: أخطأ الخبر، بأن لم يبلغه مع الاجتهاد فى طلبه، ثم حكم باجتهاده المخالف لحكم النص كان مخطئًا للنص ومصيبه لا محالة فى الحكم؛ لأن الحكم بالاجتهاد عند ذلك هو فرضه. ولهذا كان يقول عمر عندما كان يبلغه الخبر: لولا هذا لقضينا فيه برأينا، ولم يقل له أحد من الصحابة: لو قضيت فيه برأيك ولم يبلغك الخبر لكنت بذلك عاصيًا، ولم أردت أن تقضى بالرأى وهذا الخبر كان موجودًا، فدل إمساك الكل عن ذلك أن فرض الحاكم والمجتهد الحكم والفتيا برأيه، وإن خالف موجب الخبر، فإذا بلغه تغيرَ عند ذلك فرضُه ولزمه الحكم بموجبه. ولا نقول: إن كل مجتهد مصيب إلا فى الفروع ومسائل الاجتهاد