للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران: ١٥٩] قال قتادة: أمر الله نبيه إذا عزم على أمر أن يمضى فيه ويتوكل على الله. قال المهلب: وامتثل هذا النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال: (لا ينبغى لنبى لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله) أى: ليس ينبغى له إذا عزم أن ينصرف؛ لأنه نقض التوكل الذى شرط الله مع العزيمة، فلبسه لأمته دال على العزيمة، وفى أخذ النبى (صلى الله عليه وسلم) بما أمره الله من الرأى بعد المشورة حجة لمن قال من الفقهاء أن الأنبياء يجوز لهم الاجتهاد فيما لا وحى عندهم فيه. وقد تقدم بيان ذلك قبل هذا. وفيه من الفقه: أن للمستشير والحاكم أن يعزم من الحكم على غير ما قال به مشاوره إذا كان من أ (صلى الله عليه وسلم) ل الرسوخ فى العلم، وأن يأخذ بما يراه كما فعل النبى (صلى الله عليه وسلم) فى مسألة عائشة فإنه شاور عليًا وأسامة، فأشار عليه أسامة بإمساكها، وأشار عليه على بفراقها، فلم يأخذ بقول أحدهما وتركها عند أهلها حتى نزل القرآن فأخذ به، وكذلك فعل أبو بكر الصديق فإنه شاور أصحابه فى مقاتلة من منع الزكاة، وأخذ بخلاف ما أشاروا به عليه من ترك قتالهم لما كان عنده متضحًا من قول النبى (صلى الله عليه وسلم) : (إلا بحقها) وفهمه هذه النكتة مع ما يعضدها من قوله: (من غير دينه فاقتلوه) . وأما قول البخارى: فكان الأمة بعد النبى (صلى الله عليه وسلم) يستشيرون الأمناء من أهل العلم، فبذلك تواصى العلماء والحكماء. قال سفيان الثورى: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ومن يخشى الله، فإذا أشار أحد برأى سأله: من أين قاله؟ فإن اختلفوا أخذ بأشبههم قولا بالكتاب والسنة، ولا يحكم بشىء حتى يتبين له حجة يجب الحكم بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>