زمان مالك كان الناس فيه أوسع حالاً منهم فى أول الإسلام، فكان يجعل فى وقت مالك على طريق التوسعة للناس لا يراد بها المساكين، وإنما يراد بها كل من دخل المسجد من غنى أو مسكين، ألا ترى أن مالكًا شبه ذلك بالماء الذى يجعل للعطشان ولا يراد به المساكين. قال المهلب: وفيه من الفقه أن القسمة إلى الإمام على قدر اجتهاده. وفيه: العطاء لأحد الأصناف الذين ذكرهم الله فى كتابه دون غيرهم؛ لأنه أعطى العباس لما شكا إليه من الغرم الذى فدحه، ولم يسوه فى القسمة مع الثمانية الأصناف، ولو قسم ذلك على التساوى لما أعطى العباس بغير مكيال ولا ميزان، وإنما أعطاه بقدر استقلاله عن الأرض، ولم يعط لأحدٍ غيره مثل ذلك. وفيه: أن السلطان إذا علم من الناس حاجة إلى المال أنه لا يحل له أن يدخر منه شيئًا كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . وفيه: كرم رسول الله وزهده فى الدنيا وأنه لم يمنع شيئًا سُئله إذا كان عنده. وفيه: أن للسلطان أن يرتفع عما يدعى إليه من المهنة والعمل بيده، وله أن يمتنع من تكليف ذلك غيره إذا لم يكن للسلطان فى ذلك حاجة، وإن كان فيه نفع لخاصة من الناس إذا كان فيه ضرر لعامتهم. قال المؤلف: وإنما لم يأمر برفع المال على عنق العباس، والله أعلم، ليزجره ذلك عن الاستكثار فى المال الذى ظهر منه، وألا يأخذ من الدنيا فوق حاجته ويقتصر على ما يبلغ منها المحل، كما كان يفعله عليه السلام، ولهذا لم يرفعه على عنقه لئلا يعينه على ما لا يرضاه وما نهى عنه.