غضبي) . فقد تقدم أن رحمته تعالى إرادته لإثابة المطيعين له وغضبه لعقاب العاصين له، وإذا كان ذلك كذلك كان معنى قوله:(إن رحمتى تغلب غضبى) إن إرادتى ثواب الطائعين لى هى إرادتى ألا أعذبهم. وهو معنى قوله تعالى:(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: ١٨٥] ، فإرادته بهم اليسر هى إرادته ألا يريد بهم العسر، وما كان ما أراد من ذلك بهم، ولم يكن ما لم يرده فعبر (صلى الله عليه وسلم) عن هذا المعنى بقوله: (إن رحمتى تغب غضبى) وتسبق غضبى، فظاهر قوله يفيد أن رحمته وغضبه معنيان أحدهما غالب للآخر وسابق له، وإذا ثبت أن إرادته واحدة وصفة من صفات ذاته، وأن رحمته وغضبه ليستا بمعنى أكثر من إرادته التى هى متعلقة بكل ما يصح لأكونه مرادًا وجب صرف كلامه عن ظاهره؛ لأن إجراء الكلام على ظاهره يقتضى حدث إرادته لو كانت له إرادات كثيرة متغايرة. وقوله:(فى ملأ خير منهم) هذا نص من النبى (صلى الله عليه وسلم) أن الملائكة أفضل من بنى آدم، وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى هذا شواهد من كتاب الله منها قوله تعالى:(مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)[الأعراف: ٢٠] ، ولا شك أن الخلود أفضل من الفناء فكذلك الملائكة أفضل من بنى آدم وإلا فلا يصح معنى الكلام. وأما وصفه تعالى بأنه يتقرب إلى عبده ووصفه بالتقرب إليه ووصفه بإتيانه هرولة، فإن التقرب والإتيان والمشى والهرولة محتملة للحقيقة والمجاز، وحملها على الحقيقة يقتضى قطع المسافات وتواتى الأجسام، وذلك لا يليق بالله تعالى فاستحال حملها على الحقيقة، ووجب حملها على المجاز؛ لشهرة ذلك فى كلام العرب، فوجب أن يكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا وذراعًا وإتيانه ومشيه معناه: التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته، ويكون تقربه تعالى من عبده قوله تعالى:(أتيته هرولة) أى: أتاه ثوابى مسرعًا. قال الطبرى: وإنما مثل القليل من الطاعة بالشبر من الدنو منه