وقوله:(حتى تلقوا الله ورسوله فإنى على الحوض) ففيه إثبات الحوض له (صلى الله عليه وسلم) خلافًا لمنكريه من المعتزلة وغيرهم ممن يدفع أخبار الآحاد، وجمهور الأمة على خلافهم مؤمنون بالحوض على ما ثبت فى السنن الصحاح. وقوله:(ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان) ففيه إثبات الرؤية لله تعالى وإثبات كلامه لعباده. ورفع الحجاب بينه تعالى وبين خلقه هو تجليه لهم، وليس ذلك بمعنى الظهور والخروج من سواتر وحجب حائلة بينه وبين عباده؛ لأن ذلك من أوصاف الأجسام وهو مستحيل على الله، وإنما رفع الحجاب بمعنى إزالته الآفات من أبصار خلقه المانعة لهم من رؤيته؛ فيرونه لارتفاعها عنهم بخلق ضدها فيهم، وهو الرؤية، وبخلاف هذا وصف الله الكفار فقال:(كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)[المطففين: ١٥] ، فالحاجب هنا الآفة المانعة من رؤيته التى لو فعل تعالى ضدها فيهم لرأوه، وهى التى فعل فى المؤمنين. وقوله فى الحديث الآخر:(وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن) فلا تعلق فيه للمجسمة فى إثبات الجسم والمكان لما تقدم من استحالة كونه جسمًا أو حالا فى مكان؛ فوجب أن يكون تأويل الرداء مصروفًا إلى أن المراد به الآفة المانعة لهم من رؤيته الموجودة بأبصارهم، وذلك فعل من أفعاله تعالى يفعله فى محل رؤيتهم له بدلا من فعله الرؤية، فلا يرونه ما دام ذلك المانع لهم من رؤيته وسماه رداء مجازًا واتساعًا؛ إذ منزلته في