من طاعة أو معصية، ومعنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (المؤمن كخامة الزرع) فى هذا الباب: أن المؤمن يألم فى الدنيا بما يبتليه الله به من المراض التى يمتحنه بها، فييسره للصبر عليها والرضا بحكم ربه واختياره له؛ ليفرح بثواب ذلك فى الآخرة، والكافر كلما صح فى الدنيا وسلم من آفاتها كان موته أشد عذابًا عليه، وأعظم ألمًا فى مفارقة الدنيا، فثبت أن الله تعالى قد أراد بالمؤمن بكل عسر يسرًا، وأراد بكل ما آتاه الكافر من اليسر عسرًا، وقد تقدم فى أول كتاب المرضى. وقوله:(فذلك فضلى أوتيه من أشاء) فذلك بين فى أن الإرادة هى المشيئة على ما تقدم بيانه؛ إذ الفضل عطاء من له أن يتفضل به، وله ألا يتفضل، وليس من كان عليه حق فأداه أو فعل ما عليه فعله يسمى متفضلاً، وإنما هو من باب الأداء والوفاء بحق ما لزمه. وقوله:(فلو قال إن شاء الله لقاتلوا فرسانًا أجمعون) فوجهه أنه لما نسى أن يرد الأمر لله الخالق العليم، ويجعل المشيئة إليه كما شرط فى كتابه، إذ يقول:(وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[الإنسان: ٣٠] ،) وَلا تَقُولَنَّ لِشَىْءٍ) [الكهف: ٢٣] . فأشبه قوله:(لأطوفن الليلة) قول من جعل لنفسه الحول والقوة؛ فحرمه الله تعالى مراده وما أمله. وأما قوله للأعرابى:(لا بأس عليك طهور إن شاء الله) فإنما أراد تأنيسه من مرضه بأن الله يكفر ذنوبه، ويقيله، ويؤخر وفاته فوقع الاستثناء على ما رجا له من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب، وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى