من وجد منه، وإن لم يكن مخترعًا له، وقد نطق بذلك القرآن فى مواضع كثيرة، وكذلك إضافته النسيان إلى الشيطان، فليس على معنى أن الشيطان فاعل لنسيانه، وإنما تأويله أنه وسوس إلىّ حتى نسيت الحوت؛ لأن فتى موسى إذ لم يمكنه أن يفعل نسيانه القائم به كان الشيطان أبعد من أن يفعل فيه نسيانًا، وكانت إضافته إليه على سبيل المجاز والاتساع. قال المهلب: وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (لا يقولن أحدكم، إن شئت فاعطنى) فمعناه والله أعلم أن سؤاله الله على شرط المشيئة يوهم أن إعطاءه تعالى يمكن على غير مشيئته، وليس بعد المشيئة وجه إلا الإكراه؛ والله لا مكره له كما قال (صلى الله عليه وسلم) ، والعبارة الموهمة فى صفات الله غير جائزة عند أهل السنة؛ لما فى ذلك من الزيغ بأقل توهم يقع فى نفس السامع لنلك العبارة ثم إن حقيقة السؤال من الله تعالى، هو أن يكون السائل محتاجًا إلى ما سأل، محققًا فى سؤاله، ومتى طلب بشرط لم يحقق الطلب؛ فلذلك أمره بالعزم فى طلب الحاجة. وأما قول على:(إن أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) ففيه: أن إرادة العبد للعمل ولتركه لا يكون إلا عن إرادة الله ومشيئته، بخلاف قول القدرية أن للإنسان إرادةً ومشيئةً دون إرادة الله، وقد تقدم أن ذلك كله من عمل العبد مخلوق لله، مراد له على حسب ما أراد