وأما قوله:(يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر) قد تقدم فى باب قوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات: ٥٨] ، أن الأذى لا يلحق بالله، وإنما يلحق من تتعاقب عليه الحوادث، ويلحقه العجز والتقصير عن الانتصار، والله تعالى منزه عن ذلك، فوجب أن يرجع الأذى المضاف إليه تعالى إلى أنبيائه ورسله، والمعنى يؤذى ابن آدم أنبيائى ورسلى بسب الدهر؛ لأن ذلك ذريعة إلى سب خالق الدهر، ومصرف أقضيته وحوادثه. وقوله:(وأنا الدهر) أى: أفعل ما يجرى به الدهر من السراء والضراء، ألا ترى قوله تعالى:(بيدى الأمر أقلب الليل والنهار) فالأيام والليالى ظروف للحوادث، فإذا سببتم الدهر وهو لا يفعل شيئًا فقد وقع السب على الله. وقد بينت هذا الحديث بأكثر من هذا فى كتاب الأدب فى باب: لا تسبوا الدهر. قال المهلب: وأما قوله تعالى: (أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فهو كقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[النحل: ٨] مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا توهمه قلب بشر. هو على الحقيقة ما لا يعلمه بشر ممن له الأذن والقلب والبصر، فتخصيصه قلب بشر بأن لا يعلمه، يدل والله أعلم أنه يجوز أن يخطر على قلوب الملائكة، ألا ترى أنه إذا أفردنا بالمخاطبة بقوله: (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (فدل على جواز أن يعلمه غيرنا. وقوله فى حديث أبى هريرة: (لما فرغ الله من الخلق قامت الرحم