والدليل على صحة قولنا حديث السوداء، وأن الرسول قال لها:(أين الله؟) فقالت: فى السماء. فقال: من أنا؟ فقالت: أنت رسول الله. فقال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة) . فحكم لها بالإيمان، ولم يسألها عن صفات الله وأسمائه، ولو كان علم ذلك شرطًا فى الإيمان لسألها عنه كما سألها عن أنه رسول الله، وكذلك سؤال أصحاب رسول الله، عمر بن الخطاب وغيره، رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن القدر، فقالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل لأمر مستأنف أم لأمر قد سبق؟ فقال:(بل لأمر قد سبق، قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له) وأعلمهم أن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، ومعلوم أنهم كانوا قبل سؤاله مؤمنين، ولا يسع مسلمًا أن يقول غير ذلك فيهم، ولو كان لا يسعهم جهل القدرة وقدم العلم لعلمهم ذلك مع شهادة التوحيد، ولجعله عمودًا سادسًا للإسلام، وهذا بين. وأما حديث أبى هريرة فى الرجل الذى واقع الذنب مرة بعد مرة ثم استغفر ربه فغفر له، ففيه دليل على أن المصر فى مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له مغلبًا لخشيته التى جاء بها وهى اعتقاده، وأن له ربا خالقا يعذبه ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك، يدل على ذلك قوله:(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام: ١٦٠] ، ولا حسنة أعظم من توحيد الله والإقرار بوجوده والتضرع إليه فى المغفرة. فإن قيل: فإن استغفاره ربه توبة منه، ولم يكن مصرًا قيل له: ليس الاستغفار أكثر من طلب غفرانه، وقد يطلب الغفران المصر والنائب، ولا دليل فى الحديث على أنه قد كان تاب مما سأل الغفران