والدين المشروع، ألا ترى أن الرجل قال: لئن قدر الله عليه ليعذبنه فأخرج ذلك مخرج الظن دون القطع على أنه تعالى غير قادر على جمعه وإحيائه إخراج خائف من عذاب ربه ذاهل العقل. يدل على ذلك قوله مجيبًا لربه لما قال له: لم فعلت؟ قال: من خشيتك. وأنت أعلم. فأخبر بالعلة التى لها فعل ما فعل، ويدل على صحة هذا القول من روى قوله: لعلى أضل الله. و (لعل) فى كلام العرب موضوعة لتوقع مخوف لا يقطع على كونه، ولا على انتفائه، ومعنى قوله: لعلى أضل على الله وحذف حرف الجر، وذلك مشهور فى اللغة كما قال الشاعر: استغفر الله ذنبًا والمعنى من ذنب. ومن كان خائفًا عند حضور أجله فجدير أن تختلف أحواله لفرط خوفه، وينطق بما لا يعتقد، ومن كان هكذا فغير جائز إخراجه من الإيمان الثابت له؛ إذ لم يعتقد ما قاله دينًا وشرعًا، وإنما يكفر من اعتقده تعالى على خلاف ما هو به، وقطع على أن ذلك هو الحق، ولو كفر من جهل بعض صفات الله لكفر عامة الناس؛ إذ لا يكاد نجد منهم من يعلم أحكام صفات ذاته، ولو اعترضت جميع العامة وكثيرًا من الخاصة وسألتهم: هل لله تعالى قدرة أو علم أو سمع أو بصر أو إرادة، وهل قدرته متعلقة بجميع ما يصح كونه معلومًا لما عرفوا حقيقة ذلك؟ فلو حكم بالكفر على من جهل صفة من صفات الله تعالى لوجب الحكم به على جميع العامة، وأكثر الخاصة وهذا محال.