منه بعلمه ما أسروه من قولهم وجهروا به، وخلقه لذلك مع خلقه خلقه، دليلا على كونه عالمًا به. فلو كان غير خالق له، وممتدحًا بكونه عالمًا بقوله، وخالقًا لهم دون قولهم؛ لم يكن فى الآية دليل على صحة كونه عالمًا بقولهم، كما ليس فى عمل العامل ظرفًا من الظروف دليل على علمه ما أودعه غيره فيه. والله تعالى قد جعل خلقه دليلا على كونه عالمًا بقولهم؛ فيجب رجوع خلقه تعالى إلى قولهم؛ ليصح له التمدح بالأمرين، وليكون أحدهما دليلا على الآخر، وإذا كان ذلك كذلك، ولا أحد من الأمة يفرق بين القول وسائر الأفعال، وقد دلت الآية على كون الأقوال خلقًا له تعالى؛ وجب كون سائر أفعال العباد خلقًا له. وأما قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) فقد تقدم فى فضائل القرآن، وتلخيص معناه: الحض على تحسين الصوت به، والغناء الذى أمر النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يقرأ القرآن به، وهو الجهر بالصوت وإخراج تلاوته من حدود مساق الإخبار والمحادثة؛ حتى يتميز التالى له من المتحدث تعظيمًا له فى النفوس وتحبيبًا إليها. فإن قال قائل: فإن كان معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ما ذكرت من تحسين الصوت به، أفعندك من لم يحسن صوته بالقرآن فليس من النبي (صلى الله عليه وسلم) ؟ . قيل: معناه لم يستن بنا فى تحسين الصوت بالقرآن؛ لأنه (صلى الله عليه وسلم) كان يحسن صوته به، ويرجع فى تلاوته على ما حكاه ابن مغفل، على ما يأتى بعد، فمن لم يفعل مثل ذلك فليس بمتبع لسنته (صلى الله عليه وسلم) ، ولا مقتديًا به فى تلاوته.