وليس على أنه لا يجب السعى إليها إلا حين ينادى لها، والعرب قد تضع البلوغ بمعنى المقاربة كقوله:(إن ابن أم مكتوم لا ينادى حتى يقال له: أصبحت أصبحت) ، أى: قارب الصباح ومثله: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف)[الطلاق: ٢] ، يريد إذا قاربن البلوغ؛ لأنه إذا بلغت آخر أجلها لم يكن له إمساكها، وفى إجماع العلماء على أن من كان فى طرف المصر العظيم، وإن لم يسمع النداء يلزمه السعى دليل واضح أنه لم يرد بالسعى حين النداء خاصة، وإنما أريد قربه، وأما من كان خارج المصر إذا سمع النداء فهو داخل فى عموم قوله تعالى:(إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله)[الجمعة: ٩] ، ولم يخص من فى المصر أو خارجه. وأما حديث عائشة: أن الناس كانوا ينتابون الجمعة من العوالى، ففيه رد لقول الكوفيين أن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر؛ لأنها أخبرت عنهم بفعل دائم أنهم كانوا ينتابون الجمعة، فدل ذلك على لزومها ووجوبها عليهم. قال محمد بن مسلمة: ومما يبين أن الجمعة لازمة لأهل العوالى إذن عثمان لهم يوم العيد فى الانصراف ولولا وجوبها عليهم ما أَذِنَ لهم. وما روى عن أنس أنه كان مرة يشهد الجمعة من الزاوية وهى على فرسخين من البصرة، ومرة كان لا يشهدها، والفرسخ ثلاثة أميال، ولو كان لازمًا عنده شهودها لمن كان على ستة أميال لما تركها بعض المرات.