واختلفوا فى عدد من تلزمهم الجمعة، فروى عن أبى هريرة أنها لا تنعقد إلا بأربعين نفسًا، هذا قول الشافعى، وزعم أن النبى، عليه السلام، جمع بأربعين، وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، عن مالك أن ثلاثين بيتًا وما قاربهم جماعة. قال ابن القصار: ورأيت لمالك أنها لا تجب على الثلاثة والأربعة، ولكنها تنعقد بما دون الأربعين، وعن ربيعة أنها تنعقد باثنى عشر رجلاً عدد الذين بقوا مع النبى يوم انفضوا إلى العير، قال أبو حنيفة: تنعقد بإمام وثلاثة أنفس، وهو قول الأوزاعى، والمزنى، والثورى، وقال أبو يوسف: تنعقد بإمام ونفسين، وقال الحسن: تنعقد بإمام وآخر معه. وقال ابن القصار: هذا الخلاف كله معارض لقول الشافعى، وليس أحد الأقوال أولى من صاحبه، فوجب الرجوع إلى صفة من خوطب فى الآية، والذين أمر الله بالسعى إليها فهم قوم لهم بيع وشراء، فوجب طلب قوم هذه صفتهم، ولسنا نعتبر عددًا حتى يصيروا به جماعة، ولكنا نقول: كل قوم لهم مسجد وسوق ينطلق عليهم اسم جماعة، فالجمعة واجبة عليهم سواء كانوا خمسة أو أربعين؛ لأن المقادير والتحديدات فى الشريعة لا تثبت إلا من طريق صحيح، وقال المزنى: لا يصح عن أصحاب الحديث ما احتج به الشافعى من أنه حين قدم المدينة جمع أربعين رجلاً؛ لأنه معلوم أن النبى، عليه السلام، قدم المدينة وقد تكاثر المسلمون وتوافروا فيجوز أن يكون جمع فى موضع نزوله قبل دخوله فى نفس المدينة، فاتفق له أربعون نفسًا.