وها هو ابنُ خلدونَ يُوضِحُ الأمرَ أيَّما إيضاحٍ، فقالَ في «تاريخِه» (١/ ٥٧٥): واعلمْ أنَّ هذا الفنَّ مِن الفنونِ المُستحدَثَةِ في المِلَّةِ، وكانَ السَّلفُ في غُنيَةٍ عنه بما أنَّ استفادةَ المعاني مِن الألفاظِ لا يُحتاجُ فيها إلى أزيدَ ممَّا عندَهم مِن المَلَكَةِ اللِّسانيَّةِ، وأمَّا القوانين الّتي يُحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصًا فمنهم أُخذ معظمها، وأمَّا الأسانيدُ فلم يَكونُوا يَحتاجونَ إلى النَّظرِ فيها؛ لقُربِ العصرِ وممارسةِ النَّقَلَةِ وخِبرَتِهم بهم، فلمَّا انْقَرَضَ السَّلَفُ وذَهَبَ الصَّدرُ الأوَّلُ وانقلبَتِ العلومُ كلُّها صناعةً كما قَرَّرْناه مِن قبلُ؛ احتاجَ الفقهاءُ والمجتهدونَ إلى تحصيلِ هذه القوانينِ والقواعدِ لاستفادةِ الأحكامِ مِن الأدلَّةِ؛ فكَتَبُوها فنًّا قائمًا برأسِه سَمَّوْه «أصولَ الفقهِ». اهـ
وقالَ شيخُ شيوخِنا العلَّامةُ العُثيمينُ -رحمه الله- في «شرحِ الأصولِ»: عِلْمُ أصولِ الفقهِ عِلْمٌ مهمٌّ، لا يَنبغي لطالبِ العِلمِ أن يُفرِّطَ فيه، ومعَ كونِه ثمرةَ الفقهِ فهو أصولٌ أيضًا لغيرِ الفقهِ؛ إذْ يُمكِنُ أنْ تَستخدِمَه في بابِ التَّوحيدِ .. إلخ.
وقالَ شيخي الحبيبُ العَلَّامةُ المُحدِّثُ أبو إسحاقَ الحُوينيُّ حَفِظَه اللهُ ورَعَاه وشفاه وعافاه في مُقدِّمَةِ كتابِه «تنبيه الهاجدِ» (١/ ١٣) وهو يَحكي تَجْرِبَتَه العلميَّةَ وحضورَه مجالسَ شيخِه العلَّامةِ محمَّد نجيب المطيعيِّ -رحمه الله-، وكان يَشرَحُ أربعةَ كتبٍ، وهي «صحيحُ البخاريِّ» و «المجموعُ» للنَّوويِّ، و «الأشباهُ والنَّظائرُ» للسُّيُوطِيِّ، و «إحياءُ علومِ الدِّينِ» للغزَّاليِّ، قالَ حَفِظَه اللهُ: أَتاحَتْ لي هذه المجالسُ دراسةَ نُبَذٍ كثيرةٍ مِن علميْ أُصُولِ الحديثِ وأصولِ الفقهِ، وواللهِ لا أَشْتَطُّ إذا قُلْتُ: إنَّني أبْصَرْتُ بعدَ العَمى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute