للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنْ (تَسَاوَيَا) أي: القيدانِ (١) فلم يُمكِنْ حملُ المُطلَقِ على أحدِهما قياسًا بجامعِ عملٍ بالمُطلقِ (وَسَقَطَا) كالبَيِّنَتَينِ إذا تَعارَضَتَا؛ فإنَّ الأرجحَ فيهما التَّساقُطُ وكانَ كمَن لا بيِّنةَ هناك.

مثالُه: قولُه -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» (٢)، ووَرَدَ في روايةٍ: «إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» (٣)، وفي روايةٍ: «أُولَاهُنَّ» (٤)، وفي أُخرى: «السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ» رَوَاها أبو داودَ (٥)، وهي معنى: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» (٦)، قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ ثامنةً؛ لأجلِ استعمالِ التُّرابِ معَها، فلَمَّا كانَ القَيدانِ -أعني: أولاهنَّ، والسَّابعةَ- مُتَنافِيَينِ تَسَاقَطَا ورَجَعْنا إلى الإطلاقِ في إحداهنَّ، ففي أيِّ غسلةٍ جُعِلَ: جازَ، إذا أَتَى عليه مِن الماءِ ما يُزيلُه ليَحصُلَ المقصودُ منه.

(وَأَصْلٌ كَوَصْفٍ فِي حَمْلٍ) قال في «شرح الأصل» (٧): حملُ المُطلقِ على المُقيَّدِ بالنِّسبةِ إلى الوصفِ مُتَّفَقٌ عليه، كوصفِ الرَّقبةِ في القتلِ ونَحوِه بالإيمانِ، وأمَّا بالنِّسبةِ إلى الأصلِ -أي: المحذوفِ بالكُلِّيَّةِ كالإطعامِ- فإِنَّه مذكورٌ في كفَّارةِ الظِّهارِ دونَ كفَّارةِ القتلِ.

قالَ في «القواعد الأصوليَّة»: فظاهرُ كلامِ أصحابِنا يُحمَلُ المُطلقُ على المُقيَّدِ في الأصلِ، كما حُمِلَ عليه في الوصفِ؛ لأنَّهم حَكَوْا في كفَّارةِ القتلِ


(١) في «د»: المقيدان.
(٢) رواه مسلم (٢٧٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) «سنن النسائي الكبرى» (٦٩).
(٤) «صحيح مسلم» (٢٧٩).
(٥) «سنن أبي داود» (٧٣).
(٦) رواه النسائي (٦٧)، وابن ماجه (٣٦٥)، وابن حبان (١٢٩٨) من حديث عبد الله بن المُغفَّل.
(٧) «التحبير شرح التحرير» (٦/ ٢٧٣٩).

<<  <   >  >>