للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البيعُ فهو خلافُ الأصلِ، وأمَّا الزَّكاةُ فهي خلافُ الأصلِ؛ لتَضَمُّنِها أخذَ مالِ الغيرِ بغيرِ إرادتِه، فوُجوبُها على خلافِ الأصلِ، والأخبارُ الواردةُ في البابِ مُشعِرةٌ بهذا المعنى، فلذلك اعتنى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ببيانِ المبيعاتِ الفاسدةِ: كالنَّهيِ عن بيعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، والمُنابذةِ، والمُلامسةِ، وغيرِ ذلك، بخلافِ الزَّكاةِ، فإِنَّه لم يَعتَنِ فيها ببيانِ ما لا زكاةَ فيه، فمَنِ ادَّعى وجوبَها في مختلَفٍ فيه كالرَّقيقِ والخيلِ، فقد ادَّعَى حُكمًا على خلافِ الدَّليلِ.

(٦) (وَلَا) إجمالَ أيضًا (فِي) قولِه -صلى الله عليه وسلم-: («لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطُهُورٍ» (١)، وَنَحْوِهِ) ممَّا فيه نفيُ ذواتِ واقعةٍ تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ فيها على إضمارِ شيءٍ كـ: «لِا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» (٢)، «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ النِّيَّةَ مِنَ اللَّيْلِ» (٣)، فهذه الأحاديثُ ونحوُها ليْسَتْ مُجملةً عندَ الجمهورِ بناءً على القولِ بثبوتِ الحقائقِ الشَّرعيَّةِ، فإِنَّه إذا اختلَّ منها شرطٌ أو ركنٌ صَحَّ نفيُه حقيقةً؛ لأنَّ الشَّرعيَّ الَّذِي هو تامُّ الأركانِ مُتَوَفِّرُ الشُّروطِ، ولهذا قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-


(١) رواه مسلم (٢٢٤).
(٢) رواه أبو داود (٢٠٨٥)، والترمذي (١١٢٦)، وابن ماجه (١٨٨١)، وابن حبان (٤٠٧٧) من حديث أبي موسى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ».
(٣) رواه أبو داود (٢٤٥٤)، والترمذي (٧٣٠)، والنسائي (٢٣٣١) واللفظ له، وابن ماجه (١٧٠٠)، وابن خزيمة (١٩٣٣) من حديث حفصة -رضي الله عنها-.
قال الترمذي: «حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه»، وقد روي عن نافع، عن ابن عمر قوله، وهو أصح.
ونقل عن البخاري في «العلل» (٢٠٢) أنه قال: هو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف.
وقال النسائي في «الكبرى» (٢٦٦١): والصواب عندنا موقوف، ولم يَصِح رفعه، والله أعلم.

<<  <   >  >>