للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(آخَرَيْنِ) تارةً (أُخْرَى، وَلَا ظُهُورَ) في ذلك؛ فهو (مُجْمَلٌ) على المختارِ، لتَردُّدِه بينَ المعنى والمعنيينِ، ومَحَلُّه إذا لم تَقُمْ قرينةٌ على المرادِ،

مِثالُه: حديثُ مسلمٍ: «لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ» (١) بناءً على أنَّ النِّكاحَ مشتَركٌ بينَ العقدِ والوطءِ، فإِنَّه إنْ حُمِلَ على الوطءِ: استُفيدَ منه معنًى واحدٌ، وهو أنَّ المُحْرِمَ لا يَطَأُ ولا يُوطَأُ؛ أي: لا يُمَكِّنُ غيرَه مِن وَطئِه، وإنْ حُمِلَ على العقدِ: استفيدَ منه معنيانِ بينَهما قَدْرٌ مشتَركٌ، وهو: أنَّ المُحرِمَ لا يَعقِدُ لنفسِه ولا يَعقِدُ لغيرِه.

(وَمَا) مِن اللَّفظِ (لَهُ مَحْمَلٌ) في اللُّغةِ ويُمكِنُ حَملُه على حُكمٍ شرعيٍّ فللشَّرعيِّ، كقولِه -صلى الله عليه وسلم-: «الطَّوَافُ بِالبَيْتِ صَلَاةٌ» (٢)، فيَحتملُ أنَّه كالصَّلَاةِ في الأحكامِ، ويَحتملُ أنَّه صلاةٌ لغةً للدُّعاءِ فيه، كقولِه: «الِاثْنَانِ جَمَاعَةٌ» (٣) فلا إجمالَ فيه عندَ الأكثرِ؛ لأنَّه -صلى الله عليه وسلم- بُعِثَ لتعريفِ الأحكامِ لا اللُّغةِ، وفائدةُ التَّأسيسِ أَوْلى، وأيضًا لَيْسَ في الطَّوافِ حقيقةُ الصَّلَاة الشَّرعيَّةِ، فكانَ مجازًا، والمرادُ أنَّ حُكمَه حُكمُ الصَّلَاةِ في الطَّهارةِ والنِّيَّةِ وستْرِ العورةِ وغيرِه، ويَدُلُّ على ذلك قولُه في بقيَّةِ الحديثِ: «إِلَّا أَنَّ اللهَ أَحَلَّ فِيهِ الكَلَامَ»، فدَلَّ على أنَّ المرادَ كونُه صلاةً في الحُكمِ إلَّا ما اسْتُثْنِيَ.

(أَوْ) أي: وما مِن اللَّفظِ له (حَقِيقَةٌ لُغَةً وَشَرْعًا) كخطابِ الشَّرعِ بلفظٍ يَجِبُ حَمْلُه على عُرفِ الشَّرعِ، كالصَّلَاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ وغيرِها،


(١) رواه مسلم (١٤٠٩) من حديث عثمان -رضي الله عنه-.
(٢) رواه الترمذي (٩٦٠)، وابن خزيمة (٢٧٣٩) من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-.
(٣) رواه ابن ماجه (٩٧٢) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- ولفظه: «اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ».
قال النووي في «خلاصة الأحكام» (٢٣٣٦): ضعيف جدًّا.

<<  <   >  >>