للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الأخصِّ نُقِلَ عرفًا إلى الأعمِّ، فنُقِلَ {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (١) إلى معنى: «ولا تُؤْذِيهما»، ولا على أنَّه أُطلِقَ على الأعمِّ إطلاقًا مجازيًّا مِن إطلاقِ الأخصِّ على الأعمِّ.

إذا عُلِمَ ذلك، فالنَّسخُ إمَّا أن يَتَوَجَّهَ على الفَحوى أو على أصلِه، وكلٌّ مِنهما إمَّا معَ التَّعرُّضِ لبقاءِ الآخَرِ أو معَ عدمِ التَّعرُّضِ لذلك، وإمَّا أن يُنسَخَا معًا، وإمَّا أن يَكُونَ النَّسخُ بالفَحوى، فهذه ستُّ مسائلَ، فكلامُه هنا هو في نسخِ الفَحوى من غيرِ تَعرُّضٍ لبقاءِ الأصلِ أو رفعِه والنَّسخِ به، فقالَ ابنُ مُفلحٍ: الفَحوى يُنسَخُ ويُنسَخُ به؛ لأنَّه كالنَّصِّ، وإنْ قيلَ: قياسٌ، فقطعيٌّ (٢).

ويَجُوزُ (نَسْخُ أَصْلِ الفَحْوَى) عندَ الأكثرِ كالتَّأْفِيفِ (دُونَهُ) أي: دونَ الفَحوى، وهو بقيَّةُ أنواعِ الأذى، كما لو قال: رَفَعْتُ عنك تحريمَ التَّأفيفِ دون بقيَّةِ أنواعِ الإيذاءِ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُ مِن إباحةِ الخفيفِ إباحةُ الشَّديدِ.

(وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) وهو نسخُ الفَحوى، وهو مثلًا الضَّربُ دونَ أصلِه، وهو التَّأفيفُ، كما لو قال: رَفَعْتُ عنك كلَّ إيذاءٍ غيرَ التَّأفيفِ، فيَجُوزُ في ظاهرِ كلامِ أصحابِنا وغيرِهم؛ لأنَّ الفَحوى وأصلَه مَدلولانِ مُتغايِرانِ؛ فجازَ نَسخُ كلٍّ مِنهما.

(وَ) يَجُوزُ نسخُ (حُكْمِ مَفْهُومِ المُخَالَفَةِ إِنْ ثَبَتَ) حُكْمُهُ وإلَّا فلا، فيَجُوزُ نَسخُ حُكمِ المسكوتِ الَّذِي هو مخالفٌ للمنطوقِ معَ نَسخِ الأصلِ ودُونَه؛ لأنَّه لا يَنقُصُ الغرضُ به، وقد قالَ (٣) الصَّحابة رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهم: إنَّ


(١) الإسراء: ٢٣.
(٢) «أصول الفقه» (٣/ ١١٦٧).
(٣) في «د»: قالت.

<<  <   >  >>