ومثالُ الثَّالثِ: ما رُوِيَ عن عليٍّ -رضي الله عنه- في شاربِ الخمرِ أنَّه إذا شَرَبَ هَذَى وإذا هَذَى افْتَرَى (١)، فيَكُونُ عليه حدُّ المُفتَري أي: القاذفِ، ووافَقَه الصَّحابةُ عليه، فأَوْجَبوا حَدَّ القذفِ على الشَّاربِ، لا لكونِه شَرِبَ، بل لكَوْنِ الشُّربِ مَظِنَّةَ القذفِ، فأَقاموه مُقامَ القذفِ قياسًا على إقامةِ الخلوةِ بالأجنبيَّةِ مُقامَ الوطءِ في التَّحريمِ، لكَوْنِ الخلوةِ مَظِنَّةً له، فظَهَرَ أنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا اعتَبَرَ المَظِنَّةَ الَّتي هي جنسٌ لمظنَّةِ الوطءِ، ومَظِنَّةَ القذفِ في الحُكْمِ الَّذِي هو جنسٌ لإيجابِ حَدِّ القذفِ وحُرمةِ الوطءِ، وكالتَّعليلِ بجنايةِ القتلِ العمدِ العدوانِ في قياسِ المُثقَلِ على المُحدَّدِ في القصاصِ فجنسُ الجنايةِ مُعتبَرَةٌ في جنسِ قصاصِ النَّفسِ لاشتمالِه على قصاصِ النَّفسِ وغيرِها كالأطرافِ.
(وَالقِسْمُ الثَّالِثُ) المُشارُ إليه بقولِه: (وَإِلَّا) بأن لم يَشهَدْ له غيرُ أصلِه بالاعتبارِ (فَـ «غَرِيبٌ») كالتَّعليلِ بالإسكارِ في قياسِ النَّبيذِ على الخمرِ بتقديرِ عدمِ نَصٍّ بعِلِّيَّةِ الإسكارِ، فعينُ الإسكارِ مُعتَبَرٌ في عينِ التَّحريمِ بتَرتيبِ الحُكمِ عليه فقطْ، كاعتبارِ جنسِ المَشقَّةِ المُشتَركةِ بينَ الحائضِ والمسافرِ في جنسِ التَّخفيفِ.
(وَكُلُّ) قِسمٍ (مِنَ الثَّلَاثَةِ) وهي: المُؤثِّرُ، والمُلائِمُ بأنواعِه السَّابقةِ، والغَريبُ (حُجَّةٌ) ولم يَذكُرْ صاحبُ «الأصلِ» خلافًا في حُجِّيَّةِ القِسمِ الأوَّلِ.