للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِنها: المشارُ إليه بقولِه: (أَوْ) بيانِ أنَّ وصفَ المعارضِ (مُلْغًى، أَوْ أَنَّ مَا أَعْدَاهُ) أي: عَدَّى وَصْفَ المُعارضِ (مُسْتَقِلٌّ) بالعِلِّيَّةِ (فِي صُورَةٍ) ما (بِظَاهِرِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ) مثالُه: إذا عارَضَ في الرِّبَا الطَّعمَ بالكيلِ، فيُجيبُ بأنَّ النَّصَّ دَلَّ على اعتبارِ الطَّعمِ في صورةٍ ما، وهو قوله: «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» (١) وهذا إذا لم يَتَعَرَّضْ للتَّعميمِ، فلو عَمَّمَ، وقال: فيَثْبُتُ ربويَّةُ كلِّ مطعومٍ للحديثِ؛ لم يُسمَعْ؛ لأنَّ ذلك إثباتٌ للحكمِ بالنَّصِّ دونَ القِيَاسِ، ولا تتميمَ للقياسِ بالإلغاءِ، والمقصودُ ذلك؛ لأنَّه لو ثَبَتَ العمومُ لكانَ القِيَاسُ ضائعًا، ولا يَضُرُّ كونُه عامًّا إذا لم يَتَعَرَّضْ للعمومِ، ولم يستدلَّ به.

(وَيَكْفِي) المُستدلَّ (فِي اسْتِقْلَالِهِ) أي: الوصفِ (إِثْبَاتُ الحُكْمِ فِي صُورَةٍ دُونَهُ) أي: دونَ الوصفِ؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ غيرِه، ويَدُلُّ عليه عجزُ المُعارضِ عنه. وقِيلَ: لا يَكفي ذلك في استقلالِ الوصفِ لجوازِ وجودِ عِلَّةٍ أُخرى.

(وَ) لأجلِ هذا (لَوْ أَبْدَى المُعْتَرِضُ) في صورةِ عدمِ وصفِ المُعارضةِ وصفًا (آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ) [الوصفِ (المُلْغَى) أي: ما أَلْغَاه المُستدلُّ (بِثُبُوتِ الحُكْمِ دُونَهُ) أي: معَ وجودِ] (٢) الوصفِ المُلغى (فَسَدَ الإِلْغَاءُ) لابتنائِه على


(١) قال ابن كثير في «تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب» (ص ٤٤٥): ليس هو في شيء من الكتب بهذه الصيغة.
وروى مسلم (١٥٩٢) عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ، فَقَالَ: بِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا، فَذَهَبَ الغُلَامُ، فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ، وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ».
(٢) ليس في «د».

<<  <   >  >>